الخميس، 26 جويلية 2012

لا خير فينا إن لم نقلها ولا خير فيكم إن لم تسمعوها


شاء القدر أن يكون المسلسل الرمضاني الحدث هذه السنة يتناول سيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب. عمر الفاروق الذي فرّق الله به بين الحق والباطل… عمر الذي قال فيه ابن مسعود “مازلنا أذلة حتى أسلم عمر”… عمر الذي بنى حضارةً وضع أسسها الرسول صلى الله عليه وسلم وارتفع بأعمدتها أبو بكر الصديق… عمر الذي سمع بطنه تتضور من الجوع عام الرمادة فقال لها “قرقري أو لا تقرقري والله لن تشبعي حتى يشبع أطفال المسلمين”… عمر القائل “فعلام نعطى الدنيّة في ديننا”…
أستحضر عبقرية عمر فتعود بي الذاكرة إلى الفترة التي كنت فيها مع الكثير من أبناء جيلي نهرب من واقعنا المر الذي ضُيّق فيه على المسلمين وغاب الإسلام عن الحياة اليومية واستبد الحكام فأكثروا الظلم والفساد، لنقضي الساعات في قراءة كتب السّيَر ونحلم بيوم يُؤْتي فيه الله الأمر لأناس يخافونه فينا ويعضون بالنواذج على سنّة النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الرّاشدين. وقامت الثورة لتفكّ قيود المسجونين وتعيد المنفيين فهبّ أصحاب الهمم لتحقيق المشروع الذي حلمنا به عشرات السنين وإقترب أكثر بعد أن ابتلانا المعزّ المذلّ بالتمكين.
يشهد الله أننا كنا نضع مقولة جعفر بن محمد “إلتمس لأخيك سبعين عذراً” نصب أعيننا قبل أن ننتقد أي قرار يتخذه ولاة أمورنا. فعندما أعلنوا عن حكومة تتكون من كتيبة من الوزراء والمستشارين قلنا إن الأمر عظيم والتركة ثقيلة فلابد من عين على كل جهاز في الدولة لتنظر ماذا فعل المفسدون وتعدّ للإصلاح وإعادة البناء… ولمّا تمّ الإبقاء على البعض من الدّساترة التجمّعيين غاضنا ذلك ولكن قلنا إن لكل قفل مفتاحاً ودولة نخرها الفساد ستين سنة لا سبيل لتطهيرها منه إلا بالإستعانة بالبعض من المؤلّفة قلوبهم العالمين بالخفايا وخاصّةً بالفخاخ القديمة والحديثة… ولمّا تأخر تطهير المنظومة الأمنية قلنا إن الحذر واجب فليس من السهل التخلص من جلّادي الأمس الذين لم يفقدوا نفوذهم ومن المستحيل القيام بالتغيير الآني لأساليب عمل أعوان درّبوا منذ الإستقلال على أن تطبيق القانون في تطبيق التعليمات وأن هيبة الدولة لا تكون إلا بالقمع والقهر والعنف المادي واللفظي.
في الحقيقة كنّا نعتقد أن ساداتنا يعلمون أنّنا إزاء فترة انتقالية يصعب تحقيق نتائج باهرة فيها فكل ما يمكن أن نرنو إليه هو تقييم الموجود ووضع أسس الإصلاح. غير أن الإمساك بمقاليد الحكم يمنح الفرصة للقيام بأعمال رمزية تُظْهر للناس معدنك وتطمئنهم بأن الأمانة بين أيدٍ أمينة. لذلك هالنا أن نرى نوابنا الأشاوس يتفطنون بعد ستة أشهر من انتخابهم أن السكن في نزل ذي خمس نجوم مكلف فيأذنون لأنفسهم بمنحة سكن بتسع مائة دينار أي قرابة أربعة أضعاف الأجر الأدنى في بلد قامت فيه ثورة من أجل العدالة الإجتماعية! وكأننا لا نستطيع أن نصبر “رمزياً” مدة هذه الفترة الإنتقالية. ولما ضج الناس مستهجنين هذه الفضيحة نسي أحد كبرائنا أن الإعتراف بالخطأ فضيلة ونسي أيضاً أنه كثيراً ما تفاخر بأنه يسكن حياً شعبياً شكلت انتفاضته منعرجاً حاسماً في الثورة فزاد في خيبة أملنا بقوله: “من غير المعقول أن يمتطي “جناب” النائب وسائل النقل العمومية”! نتفهم أن يكون من السهل على وزراء دولة النرويج الصليبية الكافرة التنقل على المترو والحافلة فهي بمثابة سيارات فارهة مقارنةً بنظيراتها الخضراء والصفراء عندنا ولكن ألم يكن من الممكن إستعمال سيارات الأجرة؟ أليس من المهم الإقتراب من المواطنين في هذه الفترة حتى يشعروا أن نوابهم قريبون منهم ومطلعون على مشاكلهم اليومية؟
على العموم كل هذا لا يساوي شيئاً أمام السقطة الكبرى التي اقترفها من كنا نعتبرهم قدوتنا ومثلنا الأعلى! العالم المتقدم يقوده شباب وكهول لا تفوق معدل أعمارهم الخمسين سنة وتتعامل أصابعهم بمهارة مع لوحات المفاتيح والتقنيات الحديثة. أكُتِب علينا أن لا تكون الكفاءة موجودةً إلا عند أحفوريات تكتب “بالبلومة” وتستعمل ألفاظاً من عينة “فهمت الحاصل معناها”؟ أبلغ بنا الأمر أن ننبش في ركام النظام البائد لنستخرج منه من ارتبط إسمه بالمستبد الأول قبل الثاني ولاحقته تهم فساد في بلد إخوةٍ قادرين على إتياننا بالخبر اليقين؟ شخصٌ وُضع أو وَضع (لا فرق طالما لم يعترض حينها) إسمه على قائمات المناشدة. شخصٌ يعترف بكتابة ثلاث صفحات من أربع مائة صفحةٍ تقطر نفاقاً كل حرفٍ فيها هو صفعة على وجوه الشهداء قبل وجوهنا.
ثم إذا تركنا جانباً ارتباطه بالماضي البغيض وناقشنا “كفاءته” أو بالأحرى عقيدته الإقتصادية، هل نجده مختلفاً عن سلفه؟ كنت أعتقد أن السبب في إقالة هذا الأخير لا يقتصر على رفضه العمل بالفصل 34 من القانون المؤسس للبنك المركزي والذي ينص على أن البنك المركزي يشد أزر السياسة الإقتصادية للدولة أو على بقية المآخذ الأخرى وإنما بسبب إيمانه بوجوب الإنصياع لإملاأت صندوق النقد الدولي وغيره من أدوات إستعباد الشعوب. فهل سيعمل المحافظ الجديد على التقليص من المديونية أم أنه سيدفعنا إلى الإنتحار والموت الزؤام عبر تحرير الدينار؟
أعجب من أناسٍ عينوا وجهاً من فترة الإستبداد الدستورية التجمعية بعد أسبوع من مؤتمرهم العام الذي جاء في بيانه الختامي حديثٌ عن القطيعة مع منظومة الإستبداد ومنع عودة رموز التجمع المنحل! ألا يتدبرون قول الله تعالى: “يَا أَيّها الّذِين أمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ الله أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونْ”؟ إن كنتم تظنون أن الأمر إستقر لكم فهيهات هيهات. النظام الأوليغارشي يُجَيّش إعلامه وأزلامه ليطيح بكم. ومن انتخبكم يوم 23 أكتوبر وخاصةً الشباب منهم بدأ يفقد الثقة فيكم. فقد كانوا يعتقدون أنكم أصحاب مبدأ شعاركم الصدق والوفاء ولا تخافون في الله لومة لائم فاحذروا أن يصيبكم قول الله تعالى “ووَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ”.
أختم بسؤال لرئيس الحكومة: عندما تقف كل صباح أمام المرآة وتنظر في عينيك، أتتذكر تلك الكلمات التي كنت ترددها لرفاق النضال في أقسى أيام المحنة: أما زلتم على العهد؟

الأربعاء، 28 مارس 2012

هل تخلت النهضة حقاً عن تطبيق الشريعة ؟



روى لي أحد أصدقائي الأطباء أنه أثناء فترة تدريبه عرضت عليهم حالة غريبة لإمرأة من الجريد أظهرت التحاليل أنها مصابة بتشمع كبدي (أو تليّف كبدي) ولكن عندما سألها الطبيب المقيم إن كانت مدمنة على الخمر احمر وجهها غضباً وخجلاً وصاحت في وجهه نافية ذلك. لحسن الحظ كان هناك طبيب شاب من جهتها علم بالقصة فعاد إليها سائلاً : قل لي يا حاجة، تشرب برشة لاڤمي(*) ؟

المغزى من هذه الحادثة الطريفة يتمثل طبعاً في القاعدة الشهيرة : "العبرة بالمسمّى لا بالإسم" ولكن يُحيلنا أيضاً إلى حديث الساعة ألا وهو قرار الهيئة التأسيسية لحركة النهضة بعدم التنصيص على الشريعة في الدستور المقبل إذ تبيّن من التصريحات التي رافقت هذا القرار أن الشريعة مطبّقة في تونس حتى بعد الإستقلال ولكن الشعب "آخر" من يعلم !!!

المفارقة تتمثل في أن نسبة كبيرة من قواعد الحركة إلى جانب السلفيين كانت في الأساببع الفارطة تتظاهر مطالبةً باعتبار الشريعة الإسلامية مصدراً أساسياً (ووحيداً لدى بعضهم) للتشريع وتعتبر ذلك انتقاماً من العَلْمَنَة القسرية (بمعنى السياسات المعادية للتديّن) التي عرفتها البلاد منذ الإستقلال. ومن جهة أخرى فإن أنصار "الحداثة والتقدمية" الذين تظاهروا غداة هروب المخلوع رافعين شعار "تونس ليك تونس ليّا تونس دولة لائكيّة" وطالبوا بدستور يحافظ على الطابع العلماني الذي عرفته "الجمهورية البورڤيبنعلية" أصبحوا يؤكّدون بعد الخيبة الكبيرة التي منوا بها في انتخابات 23 أكتوبر، على أن 90% من القوانين التونسية مطابقة للشريعة وحتى من كان يدعو لمحو أي ذكر للإسلام في الدستور الجديد أضحى متمسكاً بالفصل الأول من دستور 1959.

لنستطيع فهم ضبابية هذه المواقف لابد أن نرجع إلى الظروف التي صيغ فيها هذا الفصل. وأقصر طريق لذلك هي الشهادة التي أدلى بها السيد مصطفى الفيلالي الوزير السابق لبورڤيبة وعضو المجلس القومي التأسيسي وفيه صرح بأنه وقع اختلاف كبير حول مسألة تحديد الهوية بين الشق الزيتوني (الذي تزعمه الشيخ النيفر) المطالب بأن يكون الفصل الأول من الدستور متضمنا "تونس دولة إسلامية عربية" وبين الشق الحداثي الذي إعتبر هذا "إنحيازاً لا طائل منه" فتدخل بورڤيبة وحسم الأمر مقترحاً صيغةً "حمّالة أوجه" : تونس حرّة مستقلة الإسلام دينها والعربية لغتها فوافق "الزّواتنة" (الذين فهموها على أنّ مرجعيّة الدّولة الأخلاقية والقانونية ستكون الإسلام) والحداثيون (الذين فهموها على أن الإسلام هو دين أغلبية المواطنين). وللأسف الشديد فقد أثبتت السياسات التي انتهجتها "الجملوكية" في سنوات حكمها الأولى أنّ هذا الفصل (بفهميه الإثنين) بقي حبراً على ورق فأي دولةٍ هذه التي تكون مرجعيتها أو دين مواطنيها الإسلام ثم تقوم بالقضاء على التعليم الدّيني فيه وتفرغه من محتواه ثم بتجفيف منابعه ومحاربة الملتزمين بشعائره في مرحلة ثانية ؟! وأي دولةٍ هذه التي تقوم بتهميش لغتها الوطنية لتعتمد على لغة المستخرب لتدريس المواد العلمية التي ستقوم عليها نهضتها ؟!

في الحقيقة أثبتت الهيئة التأسيسية لحركة النهضة باتخاذها هذا القرار الصعب والمفاجئ في توقيت حساس وتحت ضغط أنصارها أنها تتمتع ببراغمتية وحنكة سياسية طالما اتهمت بافتقادها. فإن كانت كلمة شريعة مرادفة للحدود "القاسية والبربرية" في نظر الشركاء الأجانب ورواد الحداثة والتقدمية وغامضة وغير مفهومة من قبل التونسي "العيّاش" الذي يريد فقط أن يعيش في سلام ويجد الطعام عند جوعه والعلاج عند مرضه فليكن الدواء بالتي كانت هي الداء ! ما المانع من إبقاء الفصل الأول ثم العمل به بفهم "الأغلبية الحاكمة" ؟ فإن عُرض على السلطة التشريعية نصٌ يتعارض مع الشريعة (قانون، إتفاقية دولية...) فستصوّت ضده وإن كان هناك قوانين في حاجة إلى المراجعة "على ضوء الشريعة" فسيتم ذلك ولو باستعمال "سياسة المراحل"..

طبعاً كان الأمر سيكون أفضل و"أضمن" لو كانت هناك محكمة دستورية مكوّنة من قضاة شرعيين تقوم بالنظر في "دستورية" القوانين ومدى مطابقتها لمقاصد الشريعة ولاجتهادات "علماء" البلاد ولكن ما الحل في بلد ابتلي "بنخبة" لا تزال تصر على "التحديث" الفوقي والقسري رغم ستّين سنة من الفشل ؟!

المشكل الأساسي إذاً يتمثل في تعريف مصطلح الشريعة وتقريب مفهومه لعامة الشعب وخاصته. فمن الإنتقادات التي وجهها أساتذة جامعيون من "نخبتنا" لفكرة تضمين الشريعة، قولهم: إن الأمة الإسلامية افترقت على مذاهب عديدة في فهم الشريعة فبأيها نأخذ ؟ وفي هذا خلط بين الشريعة التي هي الثابت الذي لا يتغير مما كان قطعي الدلالة في القرءان والسنة أو مما أجمع عليه العلماء وبين الفقه الذي يتمثّل في نتاج ما يقوم به العلماء من إجتهاد وتأويل وقياسٍ وتحكيم للرأي... ولا أجد أبلغ من قول إبن تيمية الذي أجمل كل هذا التفصيل في قوله "حيثما وُجدت المصلحة فثَمَّةَ شرع الله"

ختاماً، أعتقد أن حركة النهضة اختارت الصبر والعمل على المدى الطويل فأولياتها وأهدافها كانت واضحة : إثبات أنها حركة مجدّدة مع المحافظة على الحد الأدنى من مطالبها ثم العمل على تغيير الواقع المعيشي والثقافي بما يطابق مشروعها الفكري أما معارضوها فينطبق عليهم المثل القائل "إن لم تكن للسفينة وجهة محدّدة فكل الرياح ملائمة"

* نسغ النخلة الذي يتخمّر سريعاً إن لم يتم حفظه في مكان بارد


الجمعة، 16 مارس 2012

خرافة نقابية



يحكيو على بلاد كي طردت المستخرب وبدلت الملكية بالجمهورية لقات روحها محكومة من ثعلب كبير من كثرة ما تقوات عليه التقدمية نحى الأحزاب الكل وحط روحه حاكم مدى الحياة.. من حكمة ربي كان عندها نقابة عريقة قاومت الاستخراب واستعصت على التدجين ياخي الأمين العام متاعها ما كانش من العاكسين وناور بها كحزب سياسي لا كمنظمة للدفاع عن حقوق الشغيلة فقط.. الطلبة ضاربهم القلق في الجامعات قالوا أعمل كي جارك وإلا حول باب دارك وزيد اضرب عصفورين بحجرة.. هانا ندافعو على حقوقنا ونحسنو ظروفنا ومنها نعملوا معارك اديولوجية حماسية ونعيشو في إطار متاع تعددية حزبية باش نتحرمو منها كي نتخرجو... دارت الأيام وقامت ثورة في البلاد.. وتفتح مجال العمل السياسي والنقاش الإديولوجي والعقائدي في كل مكان.. لكن النقابات والقائمين عليها مازالوا ما فهموش إلي لازم ترجع لحجمها ومجال عملها الحقيقين.. وطابة طابة كل عام تجينا صابة !

الخميس، 15 مارس 2012

ملأى السنابل تنحني بتواضع والفارغات رؤسهن شوامخ

قبل كل شيء أود أن أعتذر لأم الشهيد زهير اليحياوي على قلة الأدب والهمجية التي أبداها بعض من الحاضرين في يوم تكريم ابنها وتخليد ذكراه.. من المخجل أن تسمع الأم المكلومة في فلذة كبدها تطلب من الحاضرين وهي تبكي أن يسيروا على درب الشهيد وأن ينعموا بما حلم به ومات قبل أن يراه عين اليقين ثم تلحظ الذهول في عينيها أمام عربدة الضوضاء وتشنّج أشاوس الأدمينات..

إن كنت نادماً على شيء فهو على عدم طلبي للكلمة لأقول هذه الملاحظات الثلاث :
- يبدو أن الأدمينات لم يكونوا على علم أو فهم لموضوع الندوة.. أو لعل أفكارهم المسبقة على عالم المدونين الذي لا يعرفون عنه سوى بعض الأسماء التي "سوّقها" الإعلام بعد الثورة جعلتهم يتقدمون الصفوف يترصدون أول فرصة ليقفزوا صائحين أن الثورة صنعتها صفحات الفايسبوك لا المدونات وينددون بسرقتها منهم.. المضحك في الأمر أنهم بدؤو بقلة الأدب من أول تدخل للمدون "باخوس" (والتي كانت أكاديمية وغير مستفزة لهم) وكأنهم لم يطيقوا صبراً أو لم يستطيعوا كتم النار المتأججة في صدورهم.. كيف لا وما نشر على صفحاتهم يوم الإثنين يشهد على إعدادهم العدة للتصدي للمؤامرة التي دعوا لها.. ما فاتكم أيها "السادة" هو أن الهدف الوحيد من الإحتفال باليوم الوطني لحرية الأنترنات كان تكريم زهير اليحياوي ومن خلاله كل المقاومين والمناضلين الافتراضيين على اختلاف انتماءاتهم وعقائدهم.. على العموم لا يمكن الإنتظار مٍن مَن عجز على نطق إسم الشهيد أثناء وبعد الندوة (رغم التصحيح المتكرر تارةً يسميه زهير مخلوف وطوراً مختار اليحياوي) أن يدرك ما معنى حرية الانترنات أو مقاومة الحجب وقد كان همه نشر فيديوهات الكورة والنكت فمخ الهدرة : "قداش عندك من فان في الباج متاعك ؟".. وإنت وخي ما قلتلناش كيفاش إتنجم تعيش وإنت أدمين متاع 80 صفحة ؟ اه حقاً ماو من غدوة درت في الحياصة وقلت : أنا مجرد أدمين غير مباشر لبعض الصفحات "الثورية"...

- بالنسبة لهناء وجلنار فمن ناحية الشكل لا يعقل بعد قرابة 60 سنة من الإستقلال وبعد ثورة الحرية والكرامة أن تقدم الأخيرة مداخلتها باللغة الفرنسية في القصر الجمهوري وأمام حضور متكون أساساً من تونسيين وهي التونسية التي تربت في تونس.. ولكن يبدو أنها تراجعت عن هذا أمام النظرات النارية والهمهمات التي شوهدت وسمعت بعد اقتراحها ذلك فانتقلت إلى الفرنكو أراب (المسمى زوراً وبهتاناً دارجة) إلا أنها سرعان ما "زلعتها بضخامة" بذكرها ألفة يوسف تلك التي كانت تخطب في نفس المكان أمام "السارقة بأمرها"
أما من ناحية المضمون فحتى لو اختلفنا سياسياً مع المنصف المرزوقي فإنه علينا إحترام صفته كرئيس للجمهورية فنقف عند قدومه وتحيته لنا ونترفع عن تصفية الحسابات السياسية الضيقة. ولكن مايثير الغثيان حقاً هو إستغلال ثقة منظم الإحتفال (الذي وصفه الجهلوت بالبودورو في حين أن محافظ نورمال لاند كان من مؤسسي تلك المدونة الرائعة) لإيهامه بأن الحديث سيكون في صلب الموضوع ثم ينقلب ذلك 180 درجة اثر إنتهاء المقدمة التي اطلع عليها. قبل إتهامي بالتجني أذكر أن إحدى المدونات (معروفة بصورة حيزبون شمطاء) قد كتبت يوم الإثنين فرحة مسرورة : انتظروا غداً تغيير موضوع إحدى المداخلات بطريقة مفاجأة. من جهة أخرى كانت كلمة جلنار ضعيفة في الشكل والمضمون : فلا إنضباط أكاديمي ولا منهجية علمية ولا موضوعية ولا إحترام لمجال تخصصها.. بل كانت عبارة عن تدوينة استفزازية مملوؤة بالمغالطات التي مجتها أسماعنا وسئمتها عقولنا. ويكفي ذكر عبارة "المرأة المدنسة (أو النجسة)" (la femme souillée) التي تنتمي لظلمات العصور الوسطى الأوروبية ولا علاقة لها بموروثنا الحضاري لنعلم في أي حضيضٍ وقعت.

- بالنسبة لسيادة المحافظ فبعد شكري له على رحابة صدره وبرودة دمه وكرم ضيافته فكنت أتمنى لو وقعت استشارتنا لإقتراح برنامج لهذه الندوة وكنت حينها سأقترح ورشة تدوينية من قلب القصر الذي كانت تصدر منه الأوامر لعمار ليقصف الأقلام الحرة وسيكتب البعض حينها عن رمزية نضال "التونسي" أو عن ذكريات الزمن الجميل في البلوغسفير المحنونة أو عن الأحلام والمشاريع التي كانت أو مازلت في عقولنا...

ختاماً أود أن أُذَكٍّر أو أُعْلٍم أنه كان في القاعة أناس سُجنت وعُذبت من أجل حرية التعبير.. كان في القاعة أناس نفيت وحرمت من بلادها من أجل حرية التعبير.. كان هناك أناس أحدثوا المدونة تلو المدونة لتحدي الحاجب والسخرية منه والقول في وجهه بأنه لا مناص من حرية التعبير.. كان هناك أناس نقلت أحداث الثورة لحظة بلحظة ليتلقف "بعضهم" بعضاً منها وينشره لعله يحظى بعددٍ كبير من "الجامات" أو يزداد عدد "الفانات".. كان في القاعة أناس صوروا الشهداء والجرحى على عين المكان ثم لم يحرصو على "مد وجوههم" في وسائل الإعلام.. بل آثروا التواضع إجلالاً لمن بذل الدماء لأجل أن يزايد عليهم بعض السفهاء.. كان هناك أناس على بعد آلاف الكيلومترات ينتظرون صور هذا اليوم لعلهم يرون أخيراً وجوه الأبطال الذين خاطروا بحياتهم لنقل الأحداث..

من كان يظن أن المدونين صنعوا الثورة فهو واهم.. من كان يظن أن صفحات الفايسبوك صنعت الثورة فهو واهم.. من كان يظن أنه بجام أو برتاج أو رتويت صنع الثورة فهو واهم..
الثوار الحقيقيون هم الذين إنتفضوا قبل وبعد 17 ديسمبر 2010 من أجل الحق والعدالة والحرية والكرامة.. الذين خرجوا للشارع لمواجهة ألة القمع وهم لا يعلمون أيعودون لديارهم أم لا.. الذين كانت كتاباتهم ضمير الثورة وسعو لها بالتنظير أو بالدعوة أو بشحذ الهمم.. الذين بذلوا قصار جهدهم لربح المعركة الإعلامية.. الثوار الحقيقيون أخلصوا فلم يريدو جزاءً ولا شكوراً .. أما من جاء يباهي بثوريته "فقد قيل"

قال أبو هريرة راضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إن الله جل ثناؤه إذا كان يوم القيامة نزل إلى العباد ليقضي بينهم، وكل أمة جاثية، فأول من يدعى به رجل جمع القرآن، ورجل قُتل في سبيل الله، ورجل كثير المال، فيقول الله للقارئ : ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي ؟ قال : بلى يا رب. قال : فماذا عملت فيما علمت ؟ قال : كنت أقوم آناء الليل وآناء النهار. فيقول الله جل ثناؤه : كذبت، وتقول الملائكة : كذبت، ويقول الله جل جلاله : بل أردت أن يقال فلان قارئ ; فقد قيل ذلك. ويؤتى بصاحب المال، فيقول الله تعالى : أولم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد ؟ فيقول : بلى يا رب. فيقول : فماذا عملت فيما آتيتك ؟ قال : كنت أصل الرحم وأتصدق، فيقول الله : كذبت، وتقول الملائكة : كذبت. بل أردت أن يقال فلان جواد، فقد قيل لك ذلك. ويؤتى بالذي قتل في سبيل الله، فيقال له : فيما ذا قتلت ؟ فيقول : أمرت بالجهاد في سبيلك فقاتلت حتى قتلت. فيقول الله : كذبت، وتقول الملائكة : كذبت. ويقول الله : بل أردت أن يقال فلان جريء، فقد قيل ذلك . ثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتي وقال : يا أبا هريرة، أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة }

الثلاثاء، 13 مارس 2012

اليوم الوطني لحرّية الأنترنات





رغم أن البعض لم يكن في مستوى الحدث واستغل الثقة التي منحت له لتصفية حسابات ضيقة أو ليعيد علينا ذلك الحديث المقرف للنقبة التونسية الذي مجته أسماعنا وسئمته عقولنا ورغم عدم تخييب "أدمينات الصفحات الثورية" ظننا فيهم فإنني أشكر محافظ نورمال لاند على رحابة صدره وعلى سهره على تنظيم هذا "الميت أب" كما أعبر على فرحتي بلقاء جميع الأصدقاء وإن شاء الله خيرها في غيرها


عرفتهم منذ سبع سنوات.. كنت ألتهم كتاباتهم مع قهوة الصباح ثم أقضي يومي بين التعاليق والردود وبين مهام العمل.. ما لبثت أن التحقت بالركب اثر إحدى الصراعات "المصيرية" :)) صادقت العديد وشاكست الكثير.. ولكن حتى ولو اختلفنا في بعض القضايا فقد وحدنا البصاق على هبج وإخوانه القزورديين والسخرية من عمار وعرفه الزين..
ألتقي غداً بثلة منهم لنشهد تكريم رمز طالما ألهمنا.. رجل من سادة الشهداء قام فقال كلمة حق لسلطان جائر فقتله.. رحل زهير ولكن بقيت دماؤه تضيء الطريق لمن شاء وبقيت أيضاً لعنات طاردت الطاغية حتى لفظته البلاد..
كنت أود أن أن يكون إجتماع الغد أكبر "ميت أب" للمدونين التونسيين ولكن تلك هي البلوغسفير "المحنونة" دائمة الغليان.. مليئة بالتناقضات.. محبطة مضحكة مبكية ملهمة...

إهداء لرفاق منعتهم الظروف من الحضور : الطاهر لسود، عمروش، بنفسجيست حر، تمرار..

السبت، 22 أكتوبر 2011

هل الديمقراطية كفر ؟

قد يكون الحديث في هذا الموضوع متأخّراً جداً بما أنه تفصلنا 12 ساعة على أهم إنتخابات في تاريخ تونس الخضراء ولكن لعلّها تكون الفرصة لأحوصل نقاشات استمرت لعدّة سنوات أو لعلّي أنجح في إقناع من لا يزال متردّداً ليذهب ويؤدّي غداً واجبه الإنتخابي.

تناقلت صفحات الفايسبوك فيديوهات لمشائخ إعتبر بعضهم الديمقراطية بدعةً أتتنا من الغرب لتضلّنا عن الطريق المستقيم وذهب بعضهم إلى اعتبارها كفراً وإتباعاً للطاغوت وقبل أن أطرح رأيي الخاص أودّ أن أبدأ بتعريف مبسّط للدّيمقراطية ثم أقارنه بما إتفق عليه علماء المسلمون من مبادئ الحكم الرّشيد..

لفظ الدّيمقراطية مشتق من كلمتين من اللغة الإغريقية : ديموس وكراتيا وتعني حكم الشعب لنفسه وقد عرّف أبراهم لنكولن النّظام السّياسي الدّيمقراطي بحكم الشعب للشعب من أجل الشعب ويتم هذا عبر مبادئ أساسية من أهمها :
- حكم الأغلبية
- إنتخاب ممثّلين عن الشعب
- فصل السلطات
- سيادة القانون
- تداول الحكم سلمياً

إذا تركنا جانباً أقوال الذين يفهمون حديث كل محدثةٍ بدعة بأن كل أمر من أمور الدين والدنيا لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم هو ضلالةٌ لابد من تركها وتجنّبها وينسون (أو بالأحرى يتناسون) حديث من سنّ سنّةً حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها فإن أهم حجّة لمكفّري الديمقراطية هي : إن الديمقراطية تعتبر أن الحكم للشعب في حين يقول الله تعالى في كتابه الحكيم : إن الحكم إلا لله ! طبعاً الحجة في ظاهرها سخيفة وتذكرنا بقول الخوارج الذي ردّ عليه علي كرم الله وجهه بمقولته الشهيرة كلمة حق أريد بها باطل. فالله استخلفنا في الأرض لنحكم بشرعه وبمنهاجه الذي أرسل من أجله الأنبياء والرسل ليعلّموننا كيف نطبّقه. وهنا يكمن مربط الفرس ! فالنظام الديمقراطي كما يمارس في الدول الغربية يحكم بما إستقرّ عليه رأي الأغلبية أو بالأحرى هوى الأغلبية فإن إعتبر هؤلاء أن الموت الرحيم أو زواج الشواذ أو التدخين في الأماكن العامة مباحاً كان كذلك وبالتالي فلا وجود لمرجعية أخلاقية ثابتة وحقيقية تعبّر عن هوّية المجتمع ومثله العليا فحتى ما يطلق عليه بالقيم الكونيّة تطوّرت بتطوّر المجتمعات التي آمنت بها. وهنا لا يسعني إلا أن أحيل القارئ إلى الآيات 44 إلى 50 من سورة المائدة (أنظر الفقرة الأخيرة من مقالي حول اللائكية) ثم أطرح السؤال : كيف يمكن أن يكون الحكم بما أنزل الله ديمقراطياً ؟ لو تأملنا في مبادئ الديمقراطية المذكورة أعلاه لوجدنا :
- حكم الأغلبية لا يتعارض مع مبدأ الشورى الإسلامي فالرسول صلى الله عليه وسلم كان وهو النبي المعصوم يستشير أصحابه ويعمل برأي الأغلبية حتى لو تعارض مع رأيه (في معركة أحد كان يفضل مواجهة الكفار في المدينة وعدم الخروج لهم)
- إنتخاب ممثلين عن الشعب : أو ما يعبر عنه بالتعبير الإسلامي أهل الحل والعقد وهم من حازوا ثقة الناس بعلمهم وفضلهم وحسن أخلاقهم فقد كان أبو حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا أهمّه أمر إستشار أهل بدر من الصحابة ولا ننسى الإثني عشر نقيباً الذين اختارهم الأنصار ليبايعوا الرسول صلى الله عليه وسلم نيابةً عنهم قبل الهجرة.
- فصل السلطات وسيادة القانون : تزدحم كتب التاريخ الإسلامية بالآثار التي تروي كيف كان القضاء مستقلاً أيام الحكم الرشيد وكيف لم تكن هناك حصانةٌ لأحد أمام القانون
- تداول الحكم سلمياً : يقول العلماء : حيث وجدت المصلحة فثمة شرع الله نقطة أرجع للسطر ^_^

يتبين ممّا سبق أن المشكلة الحقيقية في الديمقراطية بالمفهوم الغربي تتمثل في كونها تجيز سنّ قوانين مخالفة للشرع وبالتالي فإن النظام السياسي المدني الذي لا يعتبر الحاكم منزّهاً عن الخطأ والمحاسبة والذي يحترم الحرّيات الفرديّة بما فيها حرّية المعتقد والذي يتّخذ الشّريعة كمرجعيّة أخلاقيّة وقانونيّة (للمواطنين المسلمين !!!) هو نظام ديمقراطي بمرجعية إسلامية وهذه هي الدولة الإسلامية التي يظنها البعض دينية بمعنى ثيوقراطية !

ولكن هذه النتيجة التي توصلنا إليها تدفعنا لطرح المزيد من الأسئلة :
- ما هي المواصفات التي يجب أن تتوفر في النّاخب حتى يسمح له بالإدلاء بصوته ؟
- ما هي المواصفات التي يجب أن تتوفر في من يرشح نفسه لينوب المواطنين ؟

الإجابات في التدوينة القادمة إن شاء الله !

الجمعة، 7 أكتوبر 2011

أحنا متاع الحداثة



دبارة اليوم : ناخذو حزب أفلس إيديولوجياً ونضالياً، ننزع منه اللون الأحمر البروليتاري ونعوضه بالأزرق لون النبلاء العفن. نعطيه إسماً يقطع مع كل ماضٍ قديم، نحيطه بمجموعة من رموز (جمع رِمز) النقبة المصفقة الذين احترفوا العهر الثقافي (كان موش عيب راني استعملت كلمة أخرى) وأتقنوا التطبيل (كان موش عيب راني استعملت كلمة أخرى) لأسيادهم من متساكني الضفة الأخرى وتميزوا ببهامتهم في اللغة العربية. نضيف طبقة من احتكار الحداثة ورشة خفيفة من الديمقراطية. أي فوالا : قبوط... تي نقصد كبوط ترافل للثورة !!!

الأحد، 28 أوت 2011

حول أمية النبي صلى الله عليه وسلم

كلمة أميّ في حق النبي صلى الله عليه وسلم تفيد ثلاثة معانٍ في نفس الوقت :
1- أمَمِي : (بعد فك إدغام الميميْن) ويعني أنه أرسل لجميع الأمم كما بينته الأية الكريمة : وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (سبأ - 28)

2- غير يهودي : كما تطلق العرب لفظ أعجمي على غير العربي، يستعمل اليهود لفظ أميّ على غير اليهود (أي ينتمي للأمم الأخرى) : ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ (آل عمران - 75)

3- لا يعرف القراءة والكتابة وهذا ما تؤكده الأيات التالية : وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (العنكبوت - 48)
وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلا (الفرقان - 5)
لاحظوا دقة اللفظ القرأني : اكتتبها وتملى : فهذا نفي واضح لمعرفته للقراءة والكتابة.

كان هذا رداً سريعاً على بعض المتفيقهين المتطفلين على العلوم الشرعية والفاهم يفهم...

الثلاثاء، 19 جويلية 2011

ما أشبه اليوم بالبارحة

عديت صغري في مدينة جميلة ياسر.. بناوها الرومان وإستحفظت على الإسم إلي عطاوهولها حتى التوة.. فيها تعلمت الشدة والغميضة، الكورة والشطرنج وحتى الانفورماتيك.. وفيها زادة تعلمت إنصلي ونقرا بالتجويد.. عمري ما ننسى جامع التوبة.. جامع متواضع وصغير ما فيهش رخام غالي.. مافيه كان تزخريف خفيف.. أما كان فيه إمام خشين يصدع بالحق وعمره ما خطب على المنبر ذليل.. كل يوم جمعة، العباد كانت إتجي حتى من بعيد باش تسمع خطبة الإمام شعيب.. نتذكر مرة شفت راجل يصلي فوق كرهبته خاطر حتى الأنهجة إلي بحذا الجامع ما عادش فيها شبر فارغ..

في أول التسعينات وكي كثر الظلم والتجاوزات، وقف يخطب نهار جمعة وحكالنا حكاية غزالة هجموا عليها الذيوبة ياخي هربت منهم وبدات إتفركس على بلاصة تتخبى فيها.. رات جامع قريب ياخي بحرارة الروح نڤزت ورمات روحها وسطه.. ياخي الذيوبة وقفت قدام الباب وما تجرئتش تخلط عليها.. وقتها الإمام شعيب صاح وقال : ذيوبة الغابة تعرف قدر بيت ربي أما ذيوبة البشر لا تراعي لا ربي لا بيته..

بالطبيعة كانت هذيكة أخر خطبة عرفتها للإمام شعيب في جامع التوبة.. وقتها عم محمود الكتباجي جار وزير الشؤون الدينية إلي كان يسكن بحذا البلدية حكى لبابا إلي راه يضحك ويقول : زرصة كانت توجع فيا ورتحت منها..

جمعة بعد "الثورة" هبطت مع مرتي وولدي لشارع الحبيب بورقيبة ياخي رينا جماعة خدمة الشعب إلي عياو يجريو ورانا على الخمار والصلاة في الجامع (حتى صلاة الظهر يا بوڤلب) ريناهم عاد يعيطو ويصيحو أبرياء أبرياء من دماء الشهداء.. وقتها الذيوبة ولاو نعاج..

المؤمن لا يلدغ من الجحر مرتين قالها سيدنا صلى الله عليه وسلم أما أحنا زايد ديما دغف !

الأربعاء، 27 أفريل 2011

الشريعة الإسلامية بين خبث بورڤيبة وسخافة الزغيدي


بمناسبة الذكرى الحادية عشر لوفاة الحبيب بورڤيبة تناقل العديد من التونسيين على الفايسبوك فيديو يصور الحاكم الأول لدولة ما بعد الإستقلال يجيب على أسئلة صحفي فرنسي حول علمانية الدولة التونسية وعلاقة الإسلام بالديمقراطية. كانت الأجوبة واضحة جداً ومؤكدةً على أن تونس دولة مسلمة "تقدمية" وعلى أنه لا تعارض بين الإسلام والديمقراطية. كما أشار إلى أن الحاكم المسلم يستطيع الإجتهاد بإستعمال القانون الإسلامي نفسه لتحقيق المصلحة العامة.

ما دفعني للتذكير بهذا الكلام ما سمعته من صالح الزغيدي (الناشط في جمعية الدفاع عن اللائكية) في برنامج حواري بث على قناة حنبعل يوم الأحد 10 أفريل 2011 : فقد أكد على أنه يجب أن تكون القوانين في الدولة التونسية وضعية بل وصلت به السخافة أن يسأل محاوره عن سبب إتخاذ الشريعة الإسلامية مرجعية لحركة النهضة !!! بعد قرابة 1400 سنة على دخول الإسلام لهذه البلاد يتساءل بنو علمان عن سبب تعلقنا نحن التونسيون المسلمون بالشريعة الإسلامية !

في الحقيقة، يصح على هؤلاء المثل التونسي : "كذب كذبة وصدقها". فقد اعتبروا محاربة الدولة للإسلام بعد الإستقلال دليلاً على علمانيتها وغاب عليهم أن صنهم الأكبر أخبث وأبعد نظراً منهم ! بورڤيبة كان يريد أن تتحول تونس إلى دولة "حداثية" على النمط الغربي ولكنه إختار أسلوباً مغايراً لأتاتورك. فعوض الدخول في مواجهة مباشرة تفضحه وتجعل مقاومة مشروعه أسهل، أثبت في البند الأول من الدستور هوية الدولة العربية الإسلامية ثم عمل على اجتثاثها بإنتاج أجيال جاهلةً بها. لذلك حرص بداعي "تطوير التعليم وتحديثه" على غلق جامع الزيتونة وجميع فروعه التي كانت تحتضن قرابة 16 ألف طالباً. وبهذا حرم الألاف من التونسيين الذين بدأوا يتمتعون بمجانية وإجبارية التعليم من تحصيل العلوم الشرعية عن مشايخ تلقوها بالسند المتصل بالنبي صلى الله عليه وسلم. إضافةً إلى ذلك، اكتفت البرامج التعليمية بتحفيظ "جزء عم" والنزر القليل من الأحاديث النبوية التي تتعلق ببعض العبادات ومكارم الأخلاق. فأصبح عدد حفاظ القرأن الذين يتقنون تلاوته حسب قواعد التجويد قليلاً جداً وأصبح "المتعلمون" جاهلين بأبجديات الفقه و ثوابت العقيدة. إلى جانب هذا همشت العربية واعتمدت الفرنسية لتدريس المواد العلمية التي ستقوم بها نهضة البلاد.

أما الجريمة الأخرى التي اقترفها بورڤيبة في حق هذه البلاد فهي إغلاق المحاكم الشرعية ولهذا قصة.. فمنذ فتحت هذه البلاد واعتنق أهلها الدين الحنيف كان يقضى بين سكانها بما أنزل الله في كتابه وبما ثبت عن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم إلى أن ابتليت بالإحتلال الفرنسي الذي عجز عن المساس بالقضاء الشرعي فقام بإحداث محاكم موازية. وعندما بدأت بشائر الإستقلال تظهر للعيان قام أول مفتي للجمهورية التونسية الشيخ محمد العزيز جعيط رحمه الله بتقنين الفقه المالكي والحنفي في مجلة لإعتمادها في المحاكم التونسية لكن بورڤيبة راوغ الجميع وأبقى على المحاكم "الفرنسية" التي تحكم بالقانون الوضعي. ولو لم تكن القوانين الوضعية التي كانت ساريةً وقتها قريبةً جداً من الشريعة لما استقر الأمر له . إن جهل الناس بحقيقة الشريعة الإسلامية جعلهم يختزلونها في الحدود بينما هي أكبر وأشمل من ذلك. بل إن تعطيل الحدود لا يتعارض مع مقاصد الشريعة إلا أنه يخضع لضوابط يطول شرحها هنا.

فمثلاً يعتقد الكثير أن مجلة الأحوال الشخصية تمثل ثورةً على ثوابت الشريعة الإسلامية قامت بتحرير المرأة التونسية. وهذا محض ترهات. شخصياً أعتقد أن التحرير الحقيقي للمرأة التونسية تم عبر تطبيق سياسة إجبارية ومجانية التعليم وعبر فتح سوق الشغل أمامها. أما مسألة تعدد الزوجات فإن كل ما فعلته هذه المجلة يتمثل في أنها جعلت الصداق القيرواني إجبارياً أي ضيقت ما جعله الإسلام واسعاً. فالشريعة أعطت المرأة الحق في اشتراط تخلي الرجل عن التعدد عند عقد قرانه عليها. وأنا متأكد من أنه في حالة السماح بالتعدد مجدداً فإن غالبية الرجال لن يفكروا فيه أصلاً وأن غالبية النساء ستشترط الصداق القيرواني.

إن الشريعة الإسلامية قدمت الجانب التربوي على الجانب الردعي. فليس الهدف قطع أيدي اللصوص ورجم الزناة وإنما جعل الوازع الذاتي (الخوف من الله) أقوى من الوازع الخارجي (الخوف من العقوبة الأنية) وبالتالي بناء مجتمع يكون فيه الإجرام إستثناءً. هذا مما تعلمته من هذا الحوار مع الفيلسوف التونسي أبو يعرب المرزوقي.. حقيقةً 46 دقيقة من المتعة الفكرية.