قد يكون الحديث في هذا الموضوع متأخّراً جداً بما أنه تفصلنا 12 ساعة على أهم إنتخابات في تاريخ تونس الخضراء ولكن لعلّها تكون الفرصة لأحوصل نقاشات استمرت لعدّة سنوات أو لعلّي أنجح في إقناع من لا يزال متردّداً ليذهب ويؤدّي غداً واجبه الإنتخابي.
تناقلت صفحات الفايسبوك فيديوهات لمشائخ إعتبر بعضهم الديمقراطية بدعةً أتتنا من الغرب لتضلّنا عن الطريق المستقيم وذهب بعضهم إلى اعتبارها كفراً وإتباعاً للطاغوت وقبل أن أطرح رأيي الخاص أودّ أن أبدأ بتعريف مبسّط للدّيمقراطية ثم أقارنه بما إتفق عليه علماء المسلمون من مبادئ الحكم الرّشيد..
لفظ الدّيمقراطية مشتق من كلمتين من اللغة الإغريقية : ديموس وكراتيا وتعني حكم الشعب لنفسه وقد عرّف أبراهم لنكولن النّظام السّياسي الدّيمقراطي بحكم الشعب للشعب من أجل الشعب ويتم هذا عبر مبادئ أساسية من أهمها :
- حكم الأغلبية
- إنتخاب ممثّلين عن الشعب
- فصل السلطات
- سيادة القانون
- تداول الحكم سلمياً
إذا تركنا جانباً أقوال الذين يفهمون حديث كل محدثةٍ بدعة بأن كل أمر من أمور الدين والدنيا لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم هو ضلالةٌ لابد من تركها وتجنّبها وينسون (أو بالأحرى يتناسون) حديث من سنّ سنّةً حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها فإن أهم حجّة لمكفّري الديمقراطية هي : إن الديمقراطية تعتبر أن الحكم للشعب في حين يقول الله تعالى في كتابه الحكيم : إن الحكم إلا لله ! طبعاً الحجة في ظاهرها سخيفة وتذكرنا بقول الخوارج الذي ردّ عليه علي كرم الله وجهه بمقولته الشهيرة كلمة حق أريد بها باطل. فالله استخلفنا في الأرض لنحكم بشرعه وبمنهاجه الذي أرسل من أجله الأنبياء والرسل ليعلّموننا كيف نطبّقه. وهنا يكمن مربط الفرس ! فالنظام الديمقراطي كما يمارس في الدول الغربية يحكم بما إستقرّ عليه رأي الأغلبية أو بالأحرى هوى الأغلبية فإن إعتبر هؤلاء أن الموت الرحيم أو زواج الشواذ أو التدخين في الأماكن العامة مباحاً كان كذلك وبالتالي فلا وجود لمرجعية أخلاقية ثابتة وحقيقية تعبّر عن هوّية المجتمع ومثله العليا فحتى ما يطلق عليه بالقيم الكونيّة تطوّرت بتطوّر المجتمعات التي آمنت بها. وهنا لا يسعني إلا أن أحيل القارئ إلى الآيات 44 إلى 50 من سورة المائدة (أنظر الفقرة الأخيرة من مقالي حول اللائكية) ثم أطرح السؤال : كيف يمكن أن يكون الحكم بما أنزل الله ديمقراطياً ؟ لو تأملنا في مبادئ الديمقراطية المذكورة أعلاه لوجدنا :
- حكم الأغلبية لا يتعارض مع مبدأ الشورى الإسلامي فالرسول صلى الله عليه وسلم كان وهو النبي المعصوم يستشير أصحابه ويعمل برأي الأغلبية حتى لو تعارض مع رأيه (في معركة أحد كان يفضل مواجهة الكفار في المدينة وعدم الخروج لهم)
- إنتخاب ممثلين عن الشعب : أو ما يعبر عنه بالتعبير الإسلامي أهل الحل والعقد وهم من حازوا ثقة الناس بعلمهم وفضلهم وحسن أخلاقهم فقد كان أبو حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا أهمّه أمر إستشار أهل بدر من الصحابة ولا ننسى الإثني عشر نقيباً الذين اختارهم الأنصار ليبايعوا الرسول صلى الله عليه وسلم نيابةً عنهم قبل الهجرة.
- فصل السلطات وسيادة القانون : تزدحم كتب التاريخ الإسلامية بالآثار التي تروي كيف كان القضاء مستقلاً أيام الحكم الرشيد وكيف لم تكن هناك حصانةٌ لأحد أمام القانون
- تداول الحكم سلمياً : يقول العلماء : حيث وجدت المصلحة فثمة شرع الله نقطة أرجع للسطر ^_^
يتبين ممّا سبق أن المشكلة الحقيقية في الديمقراطية بالمفهوم الغربي تتمثل في كونها تجيز سنّ قوانين مخالفة للشرع وبالتالي فإن النظام السياسي المدني الذي لا يعتبر الحاكم منزّهاً عن الخطأ والمحاسبة والذي يحترم الحرّيات الفرديّة بما فيها حرّية المعتقد والذي يتّخذ الشّريعة كمرجعيّة أخلاقيّة وقانونيّة (للمواطنين المسلمين !!!) هو نظام ديمقراطي بمرجعية إسلامية وهذه هي الدولة الإسلامية التي يظنها البعض دينية بمعنى ثيوقراطية !
ولكن هذه النتيجة التي توصلنا إليها تدفعنا لطرح المزيد من الأسئلة :
- ما هي المواصفات التي يجب أن تتوفر في النّاخب حتى يسمح له بالإدلاء بصوته ؟
- ما هي المواصفات التي يجب أن تتوفر في من يرشح نفسه لينوب المواطنين ؟
الإجابات في التدوينة القادمة إن شاء الله !