الزمان : أكتوبر 1985
المكان : المدرسة الإبتدائية أبو القاسم الشابي برادس
تلاميذ السنة الثالثة ب جالسون في القسم ينتظرون معلم المواد العربية. يفتح الباب كهل أصلع الرأس، ممتلئ الجسم، ويتجه مباشرةً إلى مكتبه. يراقبه الصبي الجالس في المقعد الأول بقدر كبير من الإهتمام وهو يتجاهل السابورتين الكبيرتين ويضع لوحة خضراء مربعة فوق كرسيه ليجعلها أمام أعين التلاميذ الصغار..
قبل أن ينطلق في شرح درس التاريخ بكل حماس، كتب على اللوح كلمتين بحجم كبير ثم صاح بصوته الجهوري : الأمازيغ ومعناها الأحرار !
لم أنس أبداً تلك الكلمات، ولم أنس أبداً تفاني ذلك المعلم في التدريس ! إنه مدرسة بذاته ! ثم جاءنا التحول "المبارك" ووعوده بالحرية والديمقراطية !
أتذكر نظرات أبي المليئة بالأمل وهو يعيد سماع ذلك البيان المشؤوم مرات عدة صبيحة ذلك السبت المشؤوم.. أتذكر كيف كان يقتطع قصاصات من الصحف تروي السيرة الذاتية للرئيس الجديد وصور بطولاته ليحتفظ بها في مكتبته.. أتذكر كيف تخلص منها حرقاً بعد بضع سنين دون أن يرد على سؤالي : لماذا ؟
مرت السنون وتعرض أبي للتحقيق والمراقبة اللصيقة لأن زوج إبن خالته الظابط في الجيش الليبي جاء لزيارتنا في تونس ! أما أمي فعانت الأمرين حتى لا تنزع خمارها..
ثم جاء اليوم الذي وقفت فيه أمام مبنى الداخلية المخيف.. الذي لم أكن أجرؤ على أن أمشي أمامه.. جاء اليوم الذي تنفس فيه هذا الشعب، سليل الأمازيغ والفينيقيين والروم والوندال والعرب والأندلسيين والأتراك... نسيماً خاصاً.. نسيم الحرية !
الأمازيغ ليس إسماً يطلق على عنصر أو عرق معين ! إنه إسم كل من ولد وترعرع فوق أرض الخضراء.. إنه إسمٌ للأحرار !
إهداء إلى سي البكوش صاحب سيارة الفولكسفاجن كوكسينال الحمراء التي طالما أوقفها أمام معهد ماكسولا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق